الأربعاء، مارس 31، 2010

رساله اختلف موعد وصولها ..إلى محمد السر تابر في خلوده الابدي



مطار أمستردام 04:45 مساءاً


07:45 صباحا توقيت كاليفورنيا


ما اطول واغرب الزمن حينما تحتاجه قصيرا .. تبدو كل المسافات مخيفه وطويله طول الوقت الذي استغرقته الرحله من سان فرانسيسكو إلى امستردام ، 11 ساعه من الطيران المتواصل .. ما اغرب الخرط والمدن والوقت والمسافه .. كلها تبدو في راسي الآن كسحابة ضبابيه كبيره .. الوقت لمن لا يعرف طعما للنوم مثلي في هذا النوع من الرحلات كسكين تذبح حبل اعصابك بلا رحمه كل دقيقه تمر .

لم انم منذ 22 ساعه مضت !!

كيف انام ؟
وعقلي وتفكيري كله هناك .. معلقا انا بين الوصول و آلم اللقيا ، بين اليأس والأمل ـ أحاول كلا الطرفين فيبدو كل واحد ابعد على التلاقي من الطرف الاخر بهوة تتسع الحزن والوجع ..
_ الله يا محمد ، يا اخي وحبيبي .. احاول التعامل مع ما حدث فاجدني بعيد عن الاستيعاب وشاق علي الصبر والتحمل !!

كيف اجهز نفسي بعد هذه الساعات الطويله من السفر والتعب والخوف .. لرؤيتك .. مسجى بلا حراك .. جثه هامده لا يملك من حولك الا ان يقرأ فوق راسك آيات من القران ..
ـ سمعت بانهم حولك غارقون في تلاوة الشهادة فوق راسك .. يظنون انك مفارق ..

نعم يا ابو حميد يعتقدون جميعا انك "سلمت" وانك مفارق تلك الدنيا الغريبه ! نسوا قتالك المستميت مع مرضك ! نسوا صبرك على 11 عمليه ذهبت اليها جميعا سائرا على رجليك .. بقوه وشجاعه كنت هناك بعيدا عنك ، ابحث عن سرها فيك .. نسوا صبرك الطويل 12 عاما من الصبر على صداع لا يحتمل ، لم تختاره ، ومن يختار مرضه ! ولكنها يد القاهر الظالم ، الطاغي التي امتدت لك بالعذاب ودونما ذنب جنيته لتعش وحتى هذه اللحظه تدفع الغالي من لحظات عمرك لها ؟

أنا لا اؤمن ولا اعتقد بما يؤمنون به !

_ أنا مؤمن بك وبقوتك وصبرك الذي تحسد عليه ، انا قادم اليك يا اخي وحبيي لأراك ، ساتعلم من شجاعتك وقوتك التي اعرفهما ان اتحمل رؤياك على هذا الحال ، نعم ساستجمع كل مافي من قوه كي لا انكسر امام حزني عليك ورؤيتك بعد كل هذه السنين وعلى هذا الوضع ! واثق من انك لن تخذلني من انك ستمشي الخطوات الشاقه بقوه وصبر اعلم انهما فيك .. لتفتح عينيك ـ لتقف ـ لاعانقك بشوقي لك كل هذه السنوات .. ساعتها سابكي حرقتي وساحكي لك عن اشياء كثيره ، اختزنتها لسنوات لاقولها لك وجها لوجه .. لاداعي لافسادها بالحكي عنها
إلى لقاء يا قبور ..
إلى لقاء "يا منو؟"
إلى لقاء يا ابو حميد
يا أخي وحبيبي وصديقي
أخوك
ايمن
"غاب محمد السر عن هذه الدنيا في صمت بعد اربعة ايام من وصولي اليه ، بدانا الحكي ولم نكمله وما زال وعد بلقاء"

احلام المطرة..!

شعاعك .. رسم ضل الشواتي

وغربته ..

رتب مواعيد

إنسجام

وأدى الفصول

لون لهفته ..

ويا طالعه

من جواي 

مسكونه بالضوء

والغمام ..

والباقي من زاد الحريق ..

مرهون خزينه مع المطر

بابك ..

شراع ..

مفتوح على الوجع القعد

مشدوه .. سهر ..!!

***********

يا غنوه

من ضحك الجهال

وزغروده في قيف البحر ..

يا هل الملم من ضفايرك

ضوء للصباح واتبسمله ؟؟

ما الجاي منك

ومن شموسك

أدهش الطين والجروف

دندن معاك كل الشجر

أو في الخيال ..

برضو إحتمال

إنو الخريف جنبك

مطر ..

وإنو الدموع بعدك

رذاذ ..

منسوجه في عباية غنا

يا كم .. اغنيك واشتهيك

يا كم .. اناديك و اتزملك

يا كم .. بصافيك واتلمسك

يا كم .. أنا

بتنفسك

واعشق سماك

واتوسدك ..

حلم الغنا ..

ويا كم ....!!!!؟؟

مش حأتوب..!!



يا روع .. قلبي

من سقام الدهر


 ينخر في الحشا ..

و العاشق الولهان ..

اضناه النوى ..


والملامة والصدود ..


من فؤاد فاق 


هيامه 


كل الحدود ..


أملا بعطف الحبيب 


وحبه ..


ضيعت عمري في انتظار 


رضاءوه .. 


لا تسالي كم ضاع من عمري ..

في انتظار صفاءك ..

ما المرتجى

من عمري ..

وانفاس غرامك ..


تصليني اللظى 

اشفني يارب .. !!


اشفني .. !

كم سالت دموع العشق فوق وسادتي

تحرق مهجتي ..وفؤادي 

و أنا ابوح بهمس غرامك ..

لم يشهد سوى ليلي حسرتي  ..

وأنيني..!


سكن السهاد بليلي


ومهجتي


يا ويح القلب


من ويل السهاد




انا انفقت صبا العمر 


في دروبك 


هائماً

   وشقيا ..


يا يقيني 


وظني ..


يالوعتي وسهري 

مدي يديك الآن نحوي

باركي قدري

اناجيك..


استحلفك

بربك أشفي سقيم العشق ..

من علة دائك ..

طال السقام به ونأئ عنه دوائك ..

و اللقاء ..


زاد السقام 

حار الدليل منه واشتكى

رفع الأكف مسائلا ..

رب السماء

ان ارحمي ..واعطفي ..!

يارب

إن كان قدري أن اعيش على

هواها

وأهلك ..؟

طول يا الهي

محنتي

وضاعف من عذابي

يا رحيم 


وفي قضائي


أقسط ..

 اصلني من جراح الهوا

انتظارها ..

وزد من جور الحبيب

مصيبتي .. !!!
                                                                                                             القاهرة شتاء 1999
                                                                                                                  الصورة : سيدة الغناء العربي أم كلثوم

حكايــة عــم الصديــق بيــاع اللبــن..!؟



"قصة قصيرة"


كنا صغاراً آنذاك .. نمرح ونلهو بفرح طفولي غامر ، كالبحر نثور ونهدأ .. فساعه نلعب ونضج وكاننا دجاج هائج في حظيرته .. وأخرى نهدأ كهدوء القريه في الليلة الظلماء ، تمر بنا الكثير من التفاصيل فلا نعبأ بها ـ لا نعبأ لما هو محزن ولا هو مفرح .. كل القريه دارنا ، نملك أشياءها بلا شريك او منازع .. بابور المويه الكبير ، البيوت والأزقه ، النخلات الثلاثه قرب القيفه ، هيكل عربية الري الكبيره قرب المقابر ، حتى القبور وشواهدها كانت لنا ، خرابة الصرايه القديمه قرب مشروع ود حمد ، بعض المرات عندما نلعب "دسوسيه" كان البعض منا يختار جزء من القبور وفق خطه معينه تصبح خاصته وباقينا يتقاسمون ما تبقى من قبور ، هكذا الاشياء كانت كلها لنا ، ما اجمل لعب "عسكر وحراميه " و " الفات الفات " عند النخلات او الصرايه القديمه .. هكذا كنا نملك كل الأشياء بلا منازع.

عم الصديق .. بكل مظهره البسيط وتفاصيله الأبسط ، كان كذلك جزء من طقوس فرحنا ، في الخامسه والستين من عمره .. كسا البياض شعره ولحيته ، طويل فارع ، وتكسو وجهه سكينة دائمه كما الاولياء الصالحين ، نظيف يحرص ان يكون قميصه وسرواله وصديريته ناصعة البياض تماماً كلون الحليب الذي يبيع ، لا تفارق الإبتسامه وجهه الصبوح في ضحكه او عبوسه وكانها تفرد تلك التجاعيد التي تكسو سحنته .

النظافه والدقه والترتيب تكسو كل تفاصيل عم الصديق ، بداءاً بمركوبه الفاشري جلد النمر والذي ينتعله لو اذكر جيدا منذ ثلاث سنوات مضت الا انه يبدو وكانه اشتراه لتوه ، وانتهاءاً بساعته ماركة "سيكو" الاصليه والتي يقسم بان عمرها تجاوز الخمسه وعشرون عاماً وما زالت تبدو زاهيه وجديده .

تستيقظ القريه في الصباح الباكر، مع صلاة الفجر حينما تبدأ الحياة تدب في كل البيوت ، فيخرج الجميع لاداء الصلاه في مسجد القريه ، تلك الساعه يظهر عم الصديق عند بوابة المسجد، يربط حمارته "تمبشه " هكذا كنا نسميها سراً لضخامتها وبدانتها ، يدخل الى المسجد بعد ان يحي الجميع ويصبح عليهم ، وبعد اداء ركعتين يصلي الصبح مع الجماعه وما ان تنتهي الصلاه يبدأ عم الصديق جولته الصباحيه اليوميه وبنفس الروتين المعتاد في كل يوم يبدأ من فريق "قدام" إذ انه الاقرب للمسجد ويسكن هناك علية القوم من سكان القريه ومن ابرز ساكنيه العمده " الحاج عبد الله " والباشتمرجي "عمر" حكيم الشفخانه ، وشيخ "عطا الله" الماذون و "ود الطريفي " قاضي المحكمه الشرعيه ، وينتهي الطواف على تلك النواحي ببيت "ود حمدين" مهندس بابور المويه حيث تخرج "حليمه" زوجته وهي تحمل حلتها ذات الهلالات الخضراء وتبادل عم الصديق نفس العبارات والتحايا اليوميه

- صباحك خير عم الصديق ، اريتك طيب ؟

- اهلين يا حليمه صبحك الله بالخير ، الحمد آلاف

في هذه اللحظات يكون الجميع ودون حوجه من عم الصديق لان يطرق اي باب آخر قد خرجوا منتظرين عند ابواب البيوت في انتظار لحظة وصول عم الصديق لهم

- سلام عليكم ، كيف اصبحتوا ..؟

- يارزاق يا كريم ، يا فتاح يا عليم ، اصبحنا واصبح الملك لله ...!

كل الناس يتبادلون التحايا مع عم الصديق وكانه صباح العيد ، نفس الناس ، ونفس الروتين كل يوم وكل صباح دون اختلاف ودون تغيير في اي من التفاصيل ، ويزداد المشهد تعمقاُ في التفاصيل كلما زاد عدد البيوت التي يمر بها عم الصديق فتطول هنا وهناك التحايا احيانا وتتخللها بعض التفاصيل الخاصه واخبار مشتته عن القريه ، كما يزيد عدد الأطفال خلف عم الصديق خطوه بخطوه شاقا طريقه نحو حلة السوق وفريق ورا ويضحي المشهد كرنفاليا امثر من ذي قبل .

وأخيرا يصل عم الصديق إلى بيتنا في صحبة الاصدقاء من فريق قدام ، حسن وحسين التيمان ، بلابل والصقعي ، وابراهيم لساتك وباقي الشله ، وتستمر نفس المشاهد السابقه ، التحايا والتصبيحات والاحاديث المطوله والقصيره ، وما ان ينتهي من اعطاء "الجاز بت العجب " حصتها من الحليب ، حتى نعلم جميعا ان كل بيوت القريه قد نالت حصتها من اللبن فبيت "الجاز بت العجب" وزوجها "حسين العربجي" صاحب الطاحونه كان اخر بيوت القريه ما قبل الخور الفاصل والمقابر .

نركض من هناك جميعاً خلف عم الصديق وهو جالس فوق ظهر "تمبشه" كفرسان الأساطير القديمه شامخا كملك متوج لا تعلو اصواتنا في حضرته وحتى عندما نتحدث نظل نتهامس وكاننا لا نقوى على قطع سكينته وصمته الملوكي وهو يسير ببطء ناحية مواسير المويه المصطفه عند مدخل المقابر ، فهو الملك ونحن الرعيه .

حين وصول عم الصديق إلى المواسير ، نجلس قبالته صامتين وهو يبدأ في إنزال "تمن" اللبن الواحده تلو الأخرى من ظهر تمبشه والتي كانما سعدت بزول الثقل عنها تصدر صوت عال بين "نهيق" وصياح فيضع عم الصديق امامها حزمة من برسيم تبدا بمضغ بعض منها هاشة باشه ، يبدأ عم الصديق في غسل اواني اللبن في تجرد وانهماك واضحين وبحرص على دقه متناهيه في انجاز المهمه ، احيانا قد ينادي على احدنا فقط لعون محدود لا يتجاوز اجر المناوله

- يا محمد يا ولدي ناولني الليفه من هناك

- يا حسين عليك الله تعال امسك بي هنا !

ويتابع جميعنا التفاصيل خطوه بخطوه وكاننا في فصل دراسي ، ينتهي الغسيل ويبدأ عم الصديق في رص "تمن" اللبن على درجات المواسير الاسمنتيه حيث تقع عليها بعض خيوط الشمس التي بدأت لتوها في الشروق فتساعد في تجفيفها ، وخلال الانتظار يعود إلأينا ويجلس على حجره المميز "ككرسي" نعم يشبه الكرسي ومميز لان لا احد منا يجروء على الجلوس عليه ، لم نفكر ولم نفعلها من قبل ، ويمد عم الصديق يديه في جيوبه فيخرج ما قد يكون احيانا حلوى وأحيانا اخرى تمر وفي بعض الأحايين حلاوه " سمسميه" ويوزع علينا فنتناولها في فرح غامر ، وبهدوء يخرج سجارته ويشعلها في شرود وكانه يقلب دفتر راسه ، وينفث نفسا طويلا ويبدأ في الحكي :

- احكي ليكم الليله عن حبوبتكم الكبيره "مهيره بت عبود" تعرفوها ؟ كانت مره ضكرانه وشجاعه وما بتخاف من اي زول ...............و....

وفي بعض الاحيان كان عم الصديق يبدأ "بالدوبيت" او مقاطع من شعر البطانه ، وتتكرر الحكاوي والروايات في اوقات  متباعده الا اننا ما نزال نستمع اليها وكاننا نسمعها لاول مره ، وتختلف من حكايات الشاطر حسن ، للمك نمر والزبير باشا ، وحكايات النجاشي ملك الحبوش و .. و.. لا نهايه لحكايات عم الصديق ، بعضها اساطير وبعضها تاريخ قريب كنا ندرسه في المدارس ولكن ما نزال نفضل حكي عم الصديق !

وفجاه يقييف :
- يلا خلاص كفايه كده ، يلا على بيوتكم عشان تشربوا الشاي باللقيمات ، يلا اجروا بي سرعه ، اشوفكم باكر انشاء الله !

ودونما نقاش نركض ، وبسرعه فيومنا قد اخذ طعم البدايه المدهشه التي تعودنا عليها كل يوم ، فنترك عم الصديق مشدوها بجمع اغراضه وتجهيز "تمبشه" استعداداً لرحلة العوده إلى بيته .
نحن ننتظر الصباح .. نعم ننام كل ليله ونحن نحلم بالصباح ،كل صباح هو بدايه مختلفه وشيقه لنا في انتظار حضور عم الصديق وهكذا تمضي سنوات صغرنا في انتظار الصباح والحليب وعم الصديق دون كلل او ملل ، لم يتغير شيء ننتظر ويحضر عم الصديق ونشرب كل صباح لبنه ونستمع لحكيه وشعره الشيق لا شيء بدل في حياتنا وعادتنا وتفاصيلنا .. حتى ذلك الصباح ..

استيقظنا .. صلينا .. ولم يحضر عم الصديق ولا تمبشه فانتظرنا ، وانتظرنا حتى منتصف النهار ولم يحضر عم الصديق ، ونمنا ولم يحضر ..

- يارب سترك ، يا لطيف الالطاف الطف

- انشاء الله خير ..!؟

- يالطيف ..!!

وجاء صباح آخر ، واشرق صباح خلف صباح ولم يحضر عم الصديق ، كم مر من وقت ، يوم ، يومان ، ثلاثه ، ..........، ........ ،لم يحضر عم الصديق ولم نشرب اللبن ..
- ...........................................!!

- استغفر الله العظيم ..!!

                                                                                                                              القاهره في 27 يوليو 1996

سَفَانَــه .. طفْلَــّه مــنْ غَيــمْ وَرذاْذ



من وسطنا مرقتي

زي صوتننا

 وكل فرحتنا

 من ضفايرك للمطر

برقين ..

برق مفتوح على النيل

الهداك سرو ..

والتاني ..

شعاع عينين

مدفق من وسط كفيك

رذاذ فرحان .. بيك

وطيره .. صغيره

بتاوق .. علي محطات

رحله .. منسيه ....!!

ضحكك ..

نقش حرف الغنا ..

دوبيت ..

ووتر لي غنوه ..

معزوف من صفاك ..

********

ويا بنيه ..

أرجاك أنا ..

عشم ..

وشمس وضاحه

في قلب الكبس ..

يا مدارات الحكاوي ..

وريدي

الموسد في العروق ..

يا مطر

هادي ..

وسعيد ..

ويا حاضر ويا ماضي

ويا ضحكه ...

من وسطنا مرقتي

زي صوتنا ..وكل فرحتنا ..!


الاثنين، يناير 04، 2010

البحـث عـن محـاوله لممـارسة الإندهــاش


كتابات أدبيه
البحـث عـن محـاوله لممـارسة الإندهــاش


سنحت لي الفرصه أخيراً بأن أنتزع نفسي من دوامة الحياه اليوميه ومعايشة الروتين الممل مع بدايات كل صباح لي في هذه "القاهره" ، والتي قهرت الكثير مما نحمل فاصبحت قاهره اسم ومسمى .
داعبت تفكيري فكرة العوده إلى روح التمرد والإنجراف ، نحو ممارسة رغباتي الخاصه ـ أو ما كنت أسميه سابقاً البحث عن محاوله للإندهاش .

خرجت عند التاسعه مساءاً من منزلي المتواضع ، ولا أدري وجهتي ، مسلماً نفسي لدوامة البرامج القـاهريه /السودانيه ـ "عليك يا الله..!!" .. ولكنني فجأه عدلت تفكيري ولحسن حظي فتشت في جيوبي فوجدت انني احمل بعض من مال ادخرته ذلك اليوم دونما سبب معين .. فقررت فوراً الدخول الى السينما ومشاهدة الفيلم حاصد جوائز الأوسكار "تايتنيك" والذي نويت عدة مرات مشاهدته ولم تسمح الظروف بذلك .. قطعت لنفسي تذكره ولما كان الوقت المتبقي على بداية العرض ما زال مبكراً ، تجولت في الأسواق مستمتعا لأول فتره ومنذ زمان طويل بالسباحه في عالم الفترينات الممتلئه بكل ما هو مدهش لروعته ولسعره الذي يبدو مبالغاً فيه بعض الشيء .. اشتريت لنفسي علبة سجائر من النوع الذي افضله " إل اند إم بلو" .. دخنت واحده وقررت ممارسة الترف مع ذاتي فتناولت ايسكريم "بوظه" بطعم المانجو .. لم يكن دافعي وراء كل ذلك غمس نفسي او ايجاد مساحه لي وسط تلك الحياه الصاخبه والمترفه التي عمت المكان وزوار المركز التجاري الذي كنت اجول اركانه المختلفه .. ولكنني كنت احاول استياق نفسي واعدادها باكبر قدر من التشويق لرؤية "التيتنيك" فاستحضرت مشاهد حفل جوائز الاوسكار .. وقلبت في راسي سريعا ما كتب في الصحف والمجلات عشية الحفل عن الفيلم الذي انا بصدد مشاهدته ، ما اكثر ما قيل عن روعته وتفرده .

انتبهت فجاة إلى موعد العرض .. فدخلت إلى قاعة العرض حاملاً ما بداخلي ما تبقى من مساحات للمتعه  والدهشه تاركاً كل شي لا يمت بصله للقاعه خارجها ، نفضت نفسي من هواجسي وهمومي وتفكيري المثقل بالخارج وجلست امارس رقي اللحظه وامتع نفسي بروعة الصوت والصوره والصمت الذي ساد القاعه .

تايتنيك عباره عن سيمفونيه موسيقيه ولحنيه متكاملة الابعاد منذ بداية العرض تحملك رغماً عنك إلى خارج القاعه إلى جو من الروحانيه والخيال اللامحدود ، فتبدو وكانك طائر يحلق بعيداً في عوالم لا تمت إلى الواقعيه بصله .. موسيقاه وإخراجه ، تصويره وحركته وحواره ـ ابداع الدراما المحتشد في هذا العمل الفريد والنادر ـ رغم أن القصه واقعيه وماساويه جداً إلا انها مزجت بنوع من الخيال في نسج المشاهد والتفاصيل في الفيلم وهو ما يجعلك مرتبطاً ارتباطاً غريباً بشخصيات الفيلم وأحداثه المدهشه ، اضف إلى ذلك التقنيه الفنيه العاليه لاستخدام المؤثرات الصوتيه والتي تجعلك تحلق فوق الاحداث كجزء منها . إنه تعبير حقيقي عن سمو القيم وممارسة الإنسانيه في أروع أشكالها ، عن الحب وقيمة الإرتباط ، الفلم ليس كما صوره الكثيرون بانه رومانسيه حالمه بل هو انتصار حقيقي لمعاني العشق ونكران الذات لاجل من تحب رغم الحواجز والعقبات والمصاعب التي تواجه العاشقين . لا أود الخوض في تفاصيل واحداث الفيلم لعلمي وثقتي انه ما زال هناك الكثيرون لم تتح لهم الفرصه لمشاهدة الفيلم ، ولعزمي تناوله في صوره نقديه وبحثيه أعمق .

طوال اربع ساعات هي زمن عرض الفيلم تملكني شعور غريب بانني صرت لا اعرفني إذ ذبت تماماً خارج ذاتي الملطخه بالتفاصيل والهموم وتلوثات الحياه اليوميه وعبء المعايش ، أحسست بانني اعيد شحن روحي بأشياء كثيره كنت قد بدأت أفقد ثقتي بها من حولي أو أنها مازالت موجوده ، فأحسست وكانني أعيد بناء دواخلي محتشداً بذاتي وكل ما احتاجه من قيم بدأت تتداعى عندي في زحمة اللاموضوع والهروب من اللاشيء لللاشيء وعشت الساعات الاربع فخورا بي كانسان قادر على تذوق الإبداع والتمتع به وممارسة الإندهاش .. فالتهمتني الساعات الاربع وأنا لم التهم نصيبي بعد من التمتع والانزواء بعيداً عن دوامة التفكير والتداعي اليومي لانسانيتنا .

إنتهى الفيلم ، إلا أن مساحات التجدد والانتعاش لادميتي لم تنفد ، فخرجت أحمل عبئين ، الأول : لابد لي من مشاهدة الفيلم مره ثانيه وثالثه ...و.... رغم ضيق الظروف الماديه ، والثاني : المحافظه على نقائي ودفء إحساسي وروحي ولو ليوم بعيداً عن كل المنقصات وما اكثرها في حياتنا ... خرجت محتضناً الشوارع كطفل اقفز وألعب فراودني شعور بانها تحتضنني أيضاً .. عدت إلى منزلي قراية الثالثه صباحاً وأنا احس بقيمة انتصاري وعظمة انجازي بقدرتي التي مازالت موجوده في الاندهاش ، ولنشوتي بانني اعدت لنفسي ثقتها بالقدرة على التجدد والحياه في واقع افضل وأروع مما نعيش ..

فمنحت تايتنيك اوسكار أخرى .. مني

ومنحت نفسي فرصه  لاستعادة دهشتي المفقوده ..

ففرحت ..

وكتبت ..!!
30 مايو 1998 القاهره

* نشرت بواحة جريدة الاتحادي الدوليه بتاريخ 6 يونيو 1998 ـ العدد 630 

همـس الرحيـل ..!!





"قصه قصيره"

(1)
كانت طفله صغيره ، تتفتح كالورده في عطرها واشراقها وفرحها ، جميله تمتد ضفائرها بطول النهر ، وتأخذ عيناها لون الليل ، اما وجهها فمستدير كالقمر .
كانت حينما تضحك ، يذوب الحزن الجاثم من حولها ويتحول الى ضحك هستيري ، ودوامة من الفرح اللانهائي ...عشق اهالي القريه طفولتها العذبه ، ومرحها .. يتوسدون ضحكتها حين ينامون .. ويستيقظون على إشراق شمسها فوق الحقول وعلى بيوتات القريه ..
كانت قريتهم طفله ..!!


(2)
مرضت (سوسن) في مره .. مرضت جدا .. سكن الصمت حقول القريه .. البيوت .. والنهر ... مرضت جداً
وفجأه ..
سكنت (سوسن) اقصى القريه .. فسكن الحزن في كل القريه ..؟!
قريتهم طفله ..!!


* نشرت بجريدة الاتحادي الدوليه صفحة ثقافه وابداع بتاريخ 8 مارس 1998 ـ العدد 559